فصل: (سورة الكهف: آية 94).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الكهف: الآيات 80- 82].

{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْرًا مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحًا فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}.
وقرأ الجحدري: {وكان أبواه مؤمنان}، على أن {كان} فيه ضمير الشأن {فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانًا وَكُفْرًا} فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغيانا عليهما، وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه، ويلحق بهما شرا وبلاء، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر. أيعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه ويطغيا ويكفرا بعد الإيمان وإنما خشي الخضر منه ذلك، لأن اللّه تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سر أمره. وأمره إياه بقتله كاخترامه لمفسدة عرفها في حياته. وفي قراءة أبىّ: فخاف ربك. والمعنى: فكره ربك كراهة من خاف سوء عاقبة الأمر فغيره. ويجوز أن يكون قوله: {فَخَشِينا} حكاية لقول اللّه تعالى، بمعنى: فكرهنا، كقوله: {لِأَهَبَ لَكِ}.
وقرئ: {يبدّلهما}، بالتشديد. والزكاة: الطهارة والنقاء من الذنوب. والرحم: الرحمة والعطف. وروى أنه ولدت لهما جارية تزوّجها نبىّ، فولدت نبيا هدى اللّه على يديه أمّة من الأمم. وقيل: ولدت سبعين نبيا. وقيل: أبدلهما ابنا مؤمنا مثلهما. قيل: اسما الغلامين: أصرم، وصريم. والغلام المقتول: اسمه الحسين. واختلف في الكنز، فقيل: مال مدفون من ذهب وفضة. وقيل: لوح من ذهب مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها. لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. وقيل: صحف فيها علم. والظاهر لإطلاقه: أنه مال.
وعن قتادة: أحل الكنز لمن قبلنا وحرّم علينا، وحرّمت الغنيمة عليهم وأحلت لنا: أراد قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} {وَكانَ أَبُوهُما صالِحًا} اعتداد بصلاح أبيهما وحفظ لحقه فيهما.
وعن جعفر بن محمد الصادق: كان بين الغلامين وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء.
وعن الحسين بن علي رضي اللّه تعالى عنهما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما بم حفظ اللّه الغلامين؟ قال: بصلاح أبيهما. قال: فأبى وجدّى خير منه: فقال: قد أنبأنا اللّه أنكم قوم خصمون {رَحْمَةً} مفعول له. أو مصدر منصوب بأراد ربك، لأنه في معنى رحمهما {وَما فَعَلْتُهُ} وما فعلت ما رأيت {عَنْ أَمْرِي} عن اجتهادي ورأيى، وإنما فعلته بأمر اللّه.

.[سورة الكهف: الآيات 83- 88].

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْمًا قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْرًا (88)}.
ذو القرنين: هو الإسكندر الذي ملك الدنيا. قيل: ملكها مؤمنان: ذو القرنين، وسليمان وكافران: نمروذ، وبخت نصر، وكان بعد نمروذ. واختلف فيه فقيل: كان عبدا صالحا ملكه اللّه الأرض، وأعطاه العلم والحكمة، وألبسه الهيبة وسخر له النور والظلمة، فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه. وقيل: نبيا. وقيل: ملكا من الملائكة.
وعن عمر رضي اللّه عنه أنه سمع رجلا يقول: يا ذا القرنين، فقال: اللهم غفرا ما رضيتم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة.
وعن علىّ رضي اللّه عنه. سخر له السحاب، ومدّت له الأسباب، وبسط له النور وسئل عنه فقال، أحبه اللّه فأحبه. وسأله ابن الكوّا: ما ذو القرنين؟ أملك أم نبىّ فقال: ليس بملك ولا نبىّ، ولكن كان عبدا صالحا، ضرب على قرنه الأيمن في طاعة اللّه فمات، ثم بعثه اللّه فضرب على قرنه الأيسر فمات، فبعثه اللّه فسمى ذا القرنين وفيكم مثله. قيل: كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه اللّه تعالى.
وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «سمى ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها». وقيل: كان له قرنان، أي ضفيرتان. وقيل: انقرض في وقته قرنان من الناس.
وعن وهب: لأنه ملك الروم وفارس. وروى: الروم والترك. وعنه كانت صفحتا رأسه من نحاس. وقيل كان لتاجه قرنان. وقيل: كان على رأسه ما يشبه القرنين.
ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشا لأنه ينطح أقرانه، وكان من الروم ولد عجوز ليس لها ولد غيره. والسائلون: هم اليهود سألوه على جهة الامتحان. وقيل: سأله أبو جهل وأشياعه، والخطاب في {عَلَيْكُمْ} لأحد الفريقين {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي من أسباب كل شيء، أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه {سَبَبًا} طريقا موصلا إليه، والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة، فأراد بلوغ المغرب {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق، فأتبع سببا، وأراد بلوغ السدّين فاتبع سببا. وقرئ: {فأتبع}. قرئ: {حمئة}، من حمئت البئر إذا صار فيها الحمأة. وحامية بمعنى حارّة.
وعن أبى ذرّ: كنت رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على جمل، فرأى الشمس حين غابت فقال. «يا أبا ذرّ، أتدري أين تغرب هذه؟ فقلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: فإنها تغرب في عين حامية»، وهي قراءة ابن مسعود وطلحة وابن عمر وابن عمرو والحسن. وقرأ ابن عباس: حمئة. وكان ابن عباس عند معاوية، فقرأ معاوية: حامية فقال ابن عباس: حمئة. فقال معاوية لعبد اللّه بن عمرو: كيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار. كيف تجد الشمس تغرب؟ قال. في ماء وطين، كذلك نجده في التوراة. وروى: في ثأط، فوافق قول ابن عباس، وكان ثمة رجل فأنشد قول تبع:
فرأى مغيب الشّمس عند مآبها ** في عين ذى خلب وثاط حرمد

أي في عين ماء ذى طين وحمإ أسود، ولا تنافى بين الحمئة والحامية، فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعا. كانوا كفرة فخيره اللّه بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام، فاختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم فقال: أمّا من دعوته فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم الذي هو الشرك: فذلك هو المعذب في الدارين {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ} ما يقتضيه الإيمان {فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى} وقيل: خيره بين القتل والأسر، وسماه إحسانا في مقابلة القتل {فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى} فله أن يجازى المثوبة الحسنى. أو فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة. وقرئ: {فله جزاء الحسنى}، أي: فله الفعلة الحسنى جزاء.
وعن قتادة: كان يطبخ من كفر في القدور، لتبع الأكبر اليماني المذكور في القرآن، يفتخر بجده إسكندر ذى القرنين ابن فيلسوف اليونانى. ويروى: مر، بدل جدي. وتدين أي تنقاد. وروى بدله: «علا في الأرض غير مفند» أي غير مكذب، فلا عيب في القافية والخلب- بضمتين-: الحمأة وهي الطين. والثأط: الحمأة المختلطة بالماء، فتزيد رطوبة وتفسد. والحرمد: الطين الأسود. مدح ذا القرنين ثم قال: إنه بلغ مواضع غروب الشمس ومواضع شروقها، يبتغى من اللّه أسبابا توصله لمقصده، فرأى محلى غيار الشمس عند مآبها، أي رجوعها إليه. ويروى مآب الشمس عند مغيبها: أي غيبوبتها. و{في عين}: متعلق بغار. أو بمحذوف، أي: رآها تغرب في عين. ويجوز أنه حال من المغار، لأن العين أوسع منه، أي في عين ماء ذى طين أسود مختلط بماء، وهذا موافق لظاهر الآية. وأولها أبو على الجبائي بأن ذلك على سبيل التخييل، كما أن من لم ير الشاطئ الغربي من البحر المتسع يرى الشمس تغرب فيه، وفي الحقيقة تغرب في ظلمة وراء الأبيض، لأن الأرض كروية. وهو العذاب النكر. ومن آمن أعطاه وكساه {مِنْ أَمْرِنا يُسْرًا} أي لا نأمره بالصعب الشاق، ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك، وتقديره: ذا يسر، كقوله: {قَوْلًا مَيْسُورًا} وقرئ: {يسرا}، بضمتين.

.[سورة الكهف: الآيات 89- 91].

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْرًا (90) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}.
وقرئ: {مطلع}، بفتح اللام وهو مصدر. والمعنى: بلغ مكان مطلع الشمس، كقوله:
كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولها

يريد: كأن آثار مجرّ الرامسات {عَلى قَوْمٍ} قيل: هم الزنج. والستر: الأبنية، وعن كعب: أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب، فإذا طلعت الشمس دخلوها. فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم.
وعن بعضهم: خرجت حتى جاوزت الصين، فسألت عن هؤلاء فقيل: بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة، فبلغتهم فإذا أحدهم يفرش أذنه ويلبس الأخرى، ومعى صاحب يعرف لسانهم فقالوا له: جئتنا تنظر كيف تطلع الشمس؟ قال: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشى علىّ، ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن، فلما طلعت الشمس على الماء إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت، فأدخلونا سربا لهم، فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك ويطرحونه في الشمس فينضج لهم. وقيل: الستر اللباس.
وعن مجاهد: من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض {كَذلِكَ} أي أمر ذى القرنين كذلك، أي كما وصفناه تعظيما لأمره {وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ} من الجنود والآلات وأسباب الملك خُبْرًا تكثيرا لذلك. وقيل: لم نجعل لهم من دونها سترا مثل ذلك الستر الذي جعلنا لكم من الجبال والحصون والأبنية والأكنان من كل جنس، والثياب من كل صنف. وقيل: بلغ مطلع الشمس مثل ذلك، أي: كما بلغ مغربها. وقيل: تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم، يعني أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر، وإحسانه إلى من آمن منهم.

.[سورة الكهف: الآيات 92- 93].

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْمًا لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}.
{بَيْنَ السَّدَّيْنِ} بين الجبلين وهما جبلان سدّ ذو القرنين ما بينهما. قرئ بالضم والفتح. وقيل: ما كان من خلق اللّه تعالى فهو مضموم، وما كان من عمل العباد فهو مفتوح، لأنّ السد بالضم فعل بمعنى مفعول، أي: هو مما فعله اللّه تعالى وخلقه. والسدّ- بالفتح-: مصدر حدث يحدثه الناس. وانتصب {بَيْنَ} على أنه مفعول به مبلوغ، كما انجرّ على الإضافة في قوله: {هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} وكما ارتفع في قوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} لأنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفا، وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق {مِنْ دُونِهِما قَوْمًا} هم الترك {لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها كما يفهم البكم. وقرئ: {يفقهون}، أي: لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه، لأنّ لغتهم غريبة مجهولة.

.[سورة الكهف: آية 94].

{قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}.
{يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} اسمان أعجميان بدليل منع الصرف. وقرئا مهموزين. وقرأ رؤبة: {آجوج ومأجوج}، وهما من ولد يافث. وقيل: يأجوج من الترك، ومأجوج من الجيل والديلم {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} قيل: كانوا يأكلون الناس، وقيل: كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئا أخضر إلا أكلوه، ولا يابسا إلا احتملوه، وكانوا يلقون منهم قتلا وأذى شديدا.
وعن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم في صفتهم: لا يموت أحد منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه، كلهم قد حمل السلاح. وقيل: هم على صنفين، طوال مفرط والطول، وقصار مفرطو القصر. قرئ: {خرجا} و{خراجا}، أي جعلا نخرجه من أموالنا: ونظيرهما: النول والنوال. وقرئ: {سدا}، و{سدا} بالفتح والضم.

.[سورة الكهف: الآيات 95- 97].

{قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}.
{ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} ما جعلني فيه مكينا من كثرة المال واليسار، خير مما تبذلون لي من الخراج، فلا حاجة بى إليه، كما قال سليمان صلوات اللّه عليه {فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ} قرئ بالإدغام وبفكه {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل، وبالآلات {رَدْمًا} حاجزا حصينا موثقا، والردم أكبر من السدّ، من قولهم: ثوب مردم، رقاع فوق رقاع. قيل: حفر الأساس حتى بلغ الماء، وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد، بينهما الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار، صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا. وقيل: بعد ما بين السدين مائة فرسخ. وقرئ: {سوّى}، و{سووى}.
وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنّ رجلا أخبره به فقال: «كيف رأيته؟» قال: كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء. قال: «قد رأيته» والصدفان- بفتحتين-: جانبا الجبلين، لأنهما يتصادفان أي يتقابلان، وقرئ: {الصدفين}، بضمتين. و{الصدفين}، بضمة وسكون. و{الصدفين}، بفتحة وضمة. والقطر: النحاس المذاب لأنه يقطر و{قِطْرًا} منصوب بـ: {أفرغ}. وتقديره: آتوني قطرا أفرغ عليه قطرا، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. وقرئ: {قال ائتوني}، أي جيئوني {فَمَا اسْطاعُوا} بحذف التاء للخفة، لأنّ التاء قريبة المخرج من الطاء. وقرئ: {فما اصطاعوا} بقلب السين صادا. وأما من قرأ بإدغام التاء في الطاء، فملاق بين ساكنين على غير الحدّ {أَنْ يَظْهَرُوهُ} أن يعلوه، أي: لا حيلة لهم فيه من صعود، لارتفاعه وانملاسه، ولا نقب لصلابته وثخانته.